رئيس مجلس الادارة:

د.محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

حوار| «الحسيني»: هحاول تاني لتحقيق حلمي بعبور المانش وأتمنى لقاء الرئيس السيسي

11:24 ص | الإثنين 11 سبتمبر 2017
حوار| «الحسيني»: هحاول تاني لتحقيق حلمي بعبور المانش وأتمنى لقاء الرئيس السيسي

محمد الحسيني

نقلا عن العدد الورقي

بوجه ملائكى وروح منطلقة ومقبلة على الحياة وابتسامة لا تفارقه ينعكس بريقها على عينيه المتلألئتين، وحياة منظمة للغاية كل شىء له توقيته المحدد، وكأنها تمر من خلال شريط سينمائى مراحله «ضحك ولعب وجد وحب»، فالضحك يكون خلال جلوسه مع أشقائه واللعب فى البلياردو الذى يعشق ممارسته مع أصدقائه المقربين والجد فى تدريبات السباحة الشاقة والحب فى الجلسة العائلية التى يملأها الود مع أفراد أسرته وأصدقائه المقربين.

هنا فى الساحل الشمالى، حيث يقضى السباح الصغير محمد الحسينى، وهو أول شخص من ذوى القدرات الخاصة حاول عبور بحر المانش الواقع بين فرنسا وإنجلترا، متحدياً كل الصعاب من قوة الأمواج وبرودة المياه، إجازته الخاصة بعد شهور من التعب والتنقل بين معسكرات التدريب الشاقة فى الغردقة من أجل تحقيق حلمه بعبور المانش كان ينتظرنا البطل الصغير، حيث قضت «الوطن» معه يوماً حاولنا من خلاله البحث والغوص فى أدق تفاصيل حياته، وحياة أسرته التى قدمت لمصر نموذجاً لديه القدرة والإرادة على القفز فوق كل حواجز الخوف التى تحيط بذوى الاحتياجات الخاصة.

بدأت السباحة وأنا عندى 6 سنين وشاركت فى بطولات للجمهورية وحققت 4 ميداليات على مستوى العالم واختارنى الكابتن خالد شلبى لدخول البطولة

جلس «محمد» على الأرجوحة الموجودة فى شرفة البيت، وبدأ فى سرد رحلته مع السباحة، مسترجعاً شريط أكثر من 10 سنوات مضت قائلاً: «بدأت السباحة وأنا عندى 6 سنين، أول بطولة دخلتها كانت فى نادى الصيد حققت فيها ميداليات، ومن بعدها شاركت فى بطولات للجمهورية، وفى 2016 حققت 4 ميداليات على مستوى العالم فى بطولة إيطاليا، واختارنى كابتن خالد شلبى لدخول بطولة المانش».

ومع انطلاق أصوات تكبيرات أول أيام عيد الأضحى، كان محمد ووالدته ينتظران بدء المسابقة فى ترقب شديد حبسا خلالها أنفاسهما، بينما يتابع والده وإخوته أخباره، وقف «الحسينى» على ضفاف بحر «المانش» مردداً كلمات حماسية يشحذ همته ويشحن طاقته واعداً والدته التى شاركته البطولة لحظة بلحظة نجاح المحاولة حتى انطلقت صافرة البدء فى تمام السابعة صباحاً بتوقيت بريطانيا، لينطلق البطل فى مياه عميقة وأمواج كالجبال كان يضربها بذراعيه سعياً نحو تسجيل اسمه فى صفحات تاريخ الإرادة والتحدى، كأول سباح من ذوى الاحتياجات الخاصة فى العالم يقوم بمحاولة عبور المانش، متحدياً ظروفه، وواضعاً نصب عينيه رحلة والديه معه منذ نعومة أظافره حتى هذه اللحظة.

الكابتن خاف عليا وطلعنى وأنا مكنتش عاوز أطلع كان نفسى أوصل لفرنسا عشان أسجل اسمى فى «جينيس»

وعلى مدار 7 ساعات متواصلة، كان والده وإخوته يتابعان أخباره نجح «الحسينى» فى قطع مسافة 16 كيلومتراً رغم الانخفاض الحاد فى درجة حرارة المياه والأمواج العالية، لكنه لم يكل ولم يتوقف، وقال: «طول السبع ساعات، كنت بفكر إنى عندى حلم وعاوز أحققه، وأشرف أبويا اللى تعب معايا وماما وإخواتى، لكن الموجة كانت عالية ودرجة الحرارة قليلة جداً الكابتن خاف عليا وطلعنى، وأنا مكنتش عاوز أطلع كان نفسى أوصل لفرنسا عشان اسمى يدخل فى جينيس لكن هحاول تانى والمرة الجاية هوصل إن شاء الله».

تفاصيل رحلة محمد مع الرياضة والسباحة تحديداً حكاها والده المهندس الحسينى كريم، قائلاً: «لحظة ما اتولد محمد، 19 ديسمبر 1999، اتصدمت لما عرفت تفاصيل حالته، لكن من يومها قررت أرضى بقضاء ربنا وسعيت أنا ووالدته إننا نخلق منه بطل، بدأت معاه فى الشهور الأولى ليه جلسات علاج طبيعى وشرب منبهات لتقوية عضلاته، خصوصاً أن الحالة دى بتسبب ارتخاء فى العضلات، بالإضافة للمتابعة مع أساتذة التخاطب، وكنت دايماً حريص أعامله زى باقى إخواته وأخده معايا يقعد وسط صحابى ويتكلم وصممت إنه يتعلم فى مدارس عادية».

الأب: «كنت دايماً حريص أعامله زى باقى إخواته وآخده معايا يقعد وسط صحابى» .. «شقيقته»: «أخويا شديد الطيبة وبيخاف علينا جداً ودايماً ينصحنا»

لم تتوقف خطة المهندس الحسينى لإعداد ابنه الأكبر ليكون بطلاً عند هذا الحد، فمنذ نعومة أظاهره بدأ الأب يدفعه للمشاركة فى تدريبات ألعاب القوى، لتقوية بنيانه وهو ما ساعده وحقق فيها ميداليات مختلفة، وأدى ذلك إلى تفوقه فى السباحة.

تفوق الحسينى الصغير فى الرياضة لم يؤثر على مستواه الدراسى، حيث اجتاز المرحلة الإعدادية بدرجات عالية، بعد أن وضع والداه له جدولاً يومياً خاصاً بأيام الدراسة، يبدؤه بالذهاب إلى مدرسته صباحاً ويعود منها فى الثالثة عصراً، ويستبدل ملابسه فى عجالة ليلحق بتدريب السباحة الخاص به، حيث يقضى ساعات كثيرة فى التمارين اليومية تحت إشراف المدرب خالد شلبى، إلى جانب معسكرات خاصة لشهور عديدة بعيداً عن بيته، حيث تدخل «محمد» فى الحديث قائلاً: «برجع من المدرسة أعمل الواجبات وأذاكر وأنزل على التمارين»

البطل الصغير، صاحب الـ17 عاماً، تربطه علاقة قوية بأخويه (عمر وشهد) قائمة على الصداقة وتقديم النصح والمشورة، ومن داخل المنزل، يجلس الإخوة الثلاثة يتبادلون الحديث، وتصفه «شهد» أخته الصغرى فى حديثها لـ«الوطن» بأنه شديد الطيبة ذو عقل واع يقدم لها النصح والمشورة دائماً: « محمد بيخاف علينا جداً ودايماً ينصحنا ودايماً بيسمع مشاكلى وباخد رأيه فى أى حاجة»، ليرد عليها محمد بابتسامة خفيفة قائلاً: «أنا دايماً جنبك»، الحوار العائلى الحميم يكمله عمر الأخ الأوسط قائلاً: «محمد صاحبى وأخويا بحب آخد رأيه فى كل حاجة وكنا زمان بنتدرب مع بعض تمارين السباحة لكن طول عمره أشطر مننا وبيكسبنا لحد ما أصبح بطل».

مشاعر من الفرح الممزوج بالخوف، انتابت أسرة السباح الصغير وقت معرفتهم بخبر ترشح اسمه لبطولة عبور المانش التى عقدت تحت رعاية الجامعة الأمريكية بدبى ورجل الأعمال المصرى أحمد أبوهشيمة، حيث قال الأب: «فى البداية كنت قلقان وخفت عليه يحصلّه أى حاجة فى وسط البحر وقلقت لما عرفت إنه كان بيصارع موجة عالية وسط درجة حرارة منخفضة لكن المسافة اللى حققها نجاح كبير ومحمد عنده إصرار وعزيمة وهينجح المرة الجاية بإذن الله».

أما أخواه، فغلبت عليهما مشاعر الفخر والفرح بأخيهما الأكبر وقالا: «كنا مبسوطين لما عرفنا إنه هيطلع بطولة المانش، وكنا متابعين أخباره ساعة بساعة، خفنا لما عرفنا إنه واجه موجة عالية وتعب فى النص، وطلع لكن لما عرفنا أنه قطع مسافة كبيرة وهو بخير قلنا الحمد لله هو أهم من أى حاجة».

علاقة محمد بالرياضة لم تقتصر على السباحة فقط، فمنذ إتمامه السادسة من عمره بدأ يخوض تدريبات خاصة بألعاب القوى كالجرى ورمى الرمح ورمى الجلة، تحت إشراف الدكتور أشرف عفيفى، أول مدرب تابع حالة «محمد» منذ نعومة أظافره، وكانت السباحة فى ذلك الوقت رياضة مكملة، وحسب قول «عفيفى»: «محمد حقق نجاح كبير فى ألعاب القوى وكسب ميداليات كتير وده ساعده على نجاحه فى السباحة وبعدها اتجه للسباحة وبقى بطل فيها».

أمتار قليلة قطعها «الحسينى» بالسيارة، وصل بعدها بصحبة والده وإخوته إلى الشاطئ، وهناك تم استقباله بحفاوة بالغة، وانهالت عليه التهانى من الموجودين على الشاطئ، وسارعوا لالتقاط الصور التذكارية معه ملقبين إياه بـ«البطل»، وما إن وصل إلى البحر حتى تسارعت خطواته نحو المياه، التى لا يستطيع مقاومتها كثيراً، وبلل جسمه قليلاً وثبت نظارة البحر على عينيه قبل أن يقفز للسباحة تحت الماء حتى قطع مسافة كبيرة، ثم اختفى عن أنظار الجميع فترة، وعاد من جديد بعد انتهاء رحلته فى عرض البحر، ليجد أمامه صفوفاً من الجماهير من مختلف الأعمار فى انتظاره يوجهون له التحية والدعم على ما حققه من نجاح، رفع به اسم مصر عالياً.

«الوطن» رافقت محمد الحسينى فى طريق عودته إلى بيته مرة ثانية، بعد انتهائه من السباحة فى البحر، حتى استبدل ملابس البحر، استعداداً لقضاء ليلته بالطريقة التى اعتاد عليها، وسط أسرته، مختتماً كلامه بابتسامته الملائكية، ونبرة صوته المثابرة قائلاً: «هحاول تانى وهنجح وأحقق حلمى المرة الجاية عشان نفسى أقابل الرئيس السيسى وأسلم عليه».