رئيس مجلس الادارة:

د.محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

نجوى مصطفى

نجوى مصطفى

اليورو وكوبا.. زمن تقاعد الأساطير

«لم يعد لديكم ميسي، وانتهى زمن الكالما كالما، زال سِحر نيمار، تعطّل قطار بيل، وانتهت زخيرة سواريز، فرشاة تشافي كُسرت، وانطفأت شمعة أنيستا، تقاعد المهندس كروس، ولم يعد ألفيش للاستفزاز، أعلن السفاح مولر توبته، ويستعد الأمير مودريتش إلى مغادرة المملكة قريبًا».

لن يفهم الجيل الحالي الكثير من تلك العبارات، وقعها، مراراتها، ذكرياتها المختبئة وراء كل اسم، ولحظات السعادة الجنونية على مدار عقد ونصف، هم يعيشون الآن الأسطورة، لكن لا يعرفوا كيف صُنعت، لذلك سهل عليهم الهجوم، وسهل عليهم المديح، لكن الأكيد، أنه لا أحد يُقدّر قيمتهم مثلنا.

هنا، وقبل بطولتي اليورو وكوبا، قلت "يا كاتب التاريخ أفتح صفحة جديدة للدون وميسي"، ومع نهاية البطولتين، اكتشفت أن الصفحة الجديدة تخصّني أنا ومن مثلي فقط، الشاهدين على البداية، الحاملين لخيبات الهزيمة ونشوة النصر، اكتشفت أن الكتاب انتهى صفحاته، وما تبقى لم يكن سوى إهداء للغائبين والراحلين، أما على الجانب الآخر، وفيه يقف كثيرون، كان هناك جيل يصنع نجومه الجُدد، يشجعهم بطريقتهم، يقارن بين أرقامهم، ويفرح بتفوق هذا أو حصوله على جائزة، وسبحان مٌغيّر الأحوال.

تبدوا الجملة قاسية، لكن لا يمكن اعتبار يورو 2024 سوى نهاية عصر وبداية آخر، نعم، غربت شمس "رونالدو" حتى لو استمر لكأس العالم المقبل، لم تكن النهاية سعيدة بقدر عظمته، لم يدر في خُلده أن يخرج من بطولة هو سيّدها خالي الوفاض هكذا، خانته قدميه في ضربة جزاء كان يُسجّلها مغمض العينين، وخانته دموعه حين وجد من لم يتورع عن مهاجمة "صاروخ ماديرا" الذي لن يستطع أحد أن يُنزله من عرشه، كسيد من أسياد تلك اللعبة على مدار عقد ونصف، وكرجل بحجم منتخب، ولاعب بحجم منظومة متكاملة استمرت عقدين بلا تراجع.

في الأدب الإغريقي، من طالت منافسته وجب حبه وعشقه، بل في بعض الأحيان يصبح المتنافسات توأم، أحدهما مرتبط بالآخر، مهما بدا للآخرين، لذلك في الوقت الذي بكي فيه رونالدو في ألمانيا، كان ميسي يسأل نفسه في القارة الأمريكية ما الخطأ؟، لماذا لم يسجل هدف اعتاد تسجيله مئات المرات، نفس اللمسة، المركز، الحسابات الدقيقة، فكيف تُصبح خارج الثلاث شباك؟، يستفيق الملك المتوّج بكأس العالم على الحقيقة المُرة، قٌرب لحظة الاعتزال، وليس هذا التبجيل من زملاؤه سوى اعتراف بالتاريخ والماضي، وإيذانًا بمستقبل ليس فيه، وهذه سُنة الحياة.

من ناحية أخرى نشبت المعارك مبكرًا، راسمة معها ملامح المستقبل دون انتهاء صفحة الحاضر تمامًا، أبطال تلك المرة في العشرين وبعضهم أقل، يركضون أسرع، ويلتحمون أقوى، متحررين من كل القيود، فلا دعوات اعتزال ولا اعتبارهم عبء الفريق، هم الأحصنة الجاهزة للسبق ولتحطيم كل الأرقام القياسية السابقة، وهذا بالتحديد أشك فيه فليس سهلًا أن تحطم أرقام الأساطير.

أبطال العصر الجديد لا يتورّعون عن إعلان مواقفهم، مبابي يؤكد أن خروجه من اليورو ليس أكثر من إخفاق لن يتكرر لمن حمل كأس المونديال، الملك الأسمر بيلينغهام يُثبت أن بلاده ستظل رقمًا صعبًا لا يمكن استثناؤه من أي بطولة، جماهير الفايكنج تطالب محاربها هالاند بالثأر من سيطرة الدول الكُبرى، وعلى مهل كانت تصنع إسبانيا نجمها يامين لامال المُعمّد من قِبل الكاهن الكبير ميسي، استعدادًا لتكرار التاريخ، وفي كوبا أميركا، كان لاوتارو مارتينيز يقدّم فروض الولاء للبرغوث الأرجنتيني استعدادًا لحمل الراية بعد تقاعد الملك والملك المكرر دي ماريا الذي يستعد للوداع.

هكذا تشكّلت ملامح المستقبل القريب، وهكذا تجهّز القادة الجُدد، فأحضروا ذخيرتهم، وجهّزوا بنادقهم، وحصلوا على الضوء الأخضر من قادة يستعدون للتقاعد، ولم يعد لهم نصيب سوى في رؤية احتفالاتهم تتجسّد في من هم أصغر كدليل ولاء، أما هم، ومشجعيهم، وجماهيرهم، فكان عليهم تقبل حقيقة العالم الجديد، عالم نجوم جدد، وجماهير جدد، انتظرت بطولتي اليورو وكوبا، لتكون هي الخط الفاصل، بين جماهير كانت تودّع أساطيرها وتمنحهم الهتاف الأخير، وأخرى تصنع أساطيرها الجدد.