رئيس مجلس الادارة:

د.محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

إيهاب الخطيب

إيهاب الخطيب

الحاجة سنية أحمد عثمان

الكلمات التى كتبها الشاعر «أيمن بهجت قمر»، لبرنامج «الست دى أمى»، فكرة أستاذى ومعلمى الكاتب الكبير «يوسف معاطى» الذى علّمنى وعلّم جيلى بالكامل كيفية الاحتفاء بالأم، وتكريمها فى حياتها، كما كان نهج البرنامج، أشعر دائماً بأنها كتبت لأمى دون غيرها، وأدعو ربى إذا كان لى عمر مقبل فى الدنيا يزيد به عمر أبويا وأمى، أنهما عاشا من أجلى وأشقائى الخمسة دون أن ينظرا إلى نفسيهما مرة واحدة، أمى التى أفنت صحتها من أجل تربيتنا وتعليمنا.

الحاجة «سنية» أمى كانت تلد فى الصباح دون مساعدة من أحد وتقوم بعدها بدقائق لتنظيف البيت، تمسح وتكنس وتطبخ، لا متابعة مع دكتور ولا مستشفى ولا جيران، الباب مقفول علينا طول ما والدى الحاج «كمال الديب» أطال الله عمره خارج المنزل، كان الحاج يعود لنقول له «مبروك جالك ولد»، ويجد الغداء جاهزاً، والبيت منظماً، والآن أصبحنا آباء ونعرف كثرة وصعوبة احتياجات «الولادة»، وكأن أمى التى تمثل عندى جيلاً كاملاً كانت من عالم آخر، لكنها الدنيا، أبى كان يذهب فى الثامنة صباحاً ويعود فى الثانية عشرة ليلاً، أحياناً يعود فى وسط النهار، وأغلب الوقت لا نراه إلا فى الصباح، وبعدها فى الليل، حتى يدبّر مصاريف الحياة الصعبة لتربية وتعليم 6 أبناء، 5 أولاد وبنت، كلهم نالوا حظوظهم من التعليم بفضل الله وجهد أمى التى لم تنل حظها من التعليم لأنها بنت الصعيد، وتعليم البنت وقتها كان «عيباً» هناك، وأبى الذى أفنى صحته فى ساعات عمل مطولة لتربية 6 أبناء وتعليمهم جيداً، وهو أمر لم يكن سهلاً على أسرة بسيطة.

ولم تكن بطولة أمى فى تربية الأبناء الستة فقط، ولكن معجزتها الكبيرة أنها كانت تذاكر وتتابع الأبناء فى الدراسة، وهى التى لم تدخل المدارس ولم تتعلم، كانت تسهر وتتابع وتعلّم نفسها القراءة والكتابة حتى تتابع الأبناء وتفهّمهم ما لا يفهمون وتستمر الحياة وتمر الأيام، وتكمل أمى رسالتها ويكمل أبى أحلامه ويطمئنان على أبنائهما ويفرحان بزواجهم، 5 أبناء زادوهما مسئولية أخرى بالأحفاد، ويبقى آخر العنقود «كريم الخطيب» الذى اقترب من الزواج بحلمه «هبة»، ليشعر أبى وأمى بأداء الأمانة على أكمل وجه، والسؤال الذى يطرح نفسه: متى نعمل نحن الأبناء على راحة الآباء؟، متى تستريح الأم التى حاصرتها الأمراض وعلى الرغم من ذلك تتحمل وتتابعنا كل لحظة بكلمات من القلب: «الشغل عامل إيه، خلّى بالك من أخوك، إوعى تزعل أبوك، مش عايز أى حاجة؟»، وكل مرة أرد: «لأ يا أمى مش عايز حاجة، أنا عايزك تكونى فى أحسن حال، وأدعو الله أن يبارك لكِ فى صحتك وأن يشفيكى من المرض وأن يأخذ من عمرى ويضيف لكِ لأنكِ تحتاجين إلى الاسترخاء والراحة بعد شقاء 40 سنة، وكأنك آلة، أقسم بالله لو قامت أكبر ماكينة أو آلة بعملك 40 سنة، لانتهت وأقاموا لها تمثالاً».

أمى، أتعلم منك كل يوم الوفاء والحب والقناعة والرضا والطيبة. أمى، رغم عدم قدرتك على المشى وعبء المرض، تصرين على إعطاء أبنائك أوفى الدروس التى لا توجد فى كتب العلم، وهى الوفاء، فقصة أمى الأخيرة هى الوفاء لوالدها الراحل منذ 35 سنة، جدى «أحمد عثمان»، الذى لم أره، ومات قبل مجيئى إلى الدنيا، الحكاية ببساطة أن والدتى تلقت اتصالاً هاتفياً من جدتى رحمها الله، الحاجة «هاجر»، وطالبتها بأن تسرع إليها فى محافظة ببلدة «جهينة» بمحافظة سوهاج، موطن عائلتى الكبيرة، وعلى الفور ذهبت أمى لتحمل أمانة كبيرة ومسئولية جديدة، أخبرتها جدتى أنها قاربت على الرحيل والفراق وأنها تشعر بنهاية عمرها، طالبتها أمى بالتماسك، فأخرجت جدتى تحويشة عمرها، وأعطتها لأمى وحمّلتها الأمانة، وقالت لها «يا سنية يا بنتى، أنا وانتِ ربنا كرمنا بحج بيت الله، ولكن أبوكِ الشيخ أحمد عثمان رحل دون أن يحج بيت الله لصعوبة الظروف، روحى حجى لأبوكِ»، لم تتردد أمى وحملت الأمانة، ورحلت جدتى فى اليوم التالى بعد أن سلمت الأمانة لأمى، ولظروف مرض أمى وتعبها عجزت فى السنوات الأخيرة عن تأدية الأمانة، لكنها طلبت منى هذا العام أن أساعدها فى تحقيق الأمانة، وبالفعل وفّقنى الله وحصلت على تأشيرة الحج، ولكن ظروفها الصحية كانت خطيرة وصعبة للغاية، ولكنها أصرت، وقالت «لو آخر نفس ليا فى عمرى، سأذهب لتأدية الواجب عن أبى وأنفّذ وصية أمى»، ويضربها المرض ونطالبها بعدم السفر لأداء مناسك الحج، لتأتى لها جدتى فى المنام وتشاهد أمى رؤية من أمها تقول لها «تعالى يا سنية أنا مستنياكى هنا فى الحرم، إوعى تتأخرى». وتحسم الحاجة سنية موقفها وتشد الرحال إلى السعودية وتحج عن والدها وتؤدى أمانة أمها، وتضرب المثل فى الوفاء لوالدها. إنها الحاجة سنية أحمد عثمان، الست دى أمى.. يا ناس الست دى أمى وسامحينى إذا أغضبتك يوماً أو زعلتك أو قصرت معاكِ، أنا نادم على كل لحظة قد يكون صوتى ارتفع فيها يوماً أمامك أو اختلفت معاكِ أو لم أطيعك. لو رجع بيا الزمن، هاكنس تحت رجلك وأنظف معاكِ البيت وباقولها لك يا رب ياخد من عمرى ويزيدك، ربنا يخليكى أنتِ والحاج كمال لينا، أنا فخور إنى ابنك يا أمى.. وكل سنة وأنتِ طيبة يا ست الحبايب.