رئيس مجلس الادارة:

د.محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

مارادونا في عيون أصدقائه: أسطـورة كـروية بقلـب طفـل صغير

12:22 م | الأحد 06 ديسمبر 2020
مارادونا في عيون أصدقائه: أسطـورة كـروية بقلـب طفـل صغير

الراحل دييجو أرماندو مارادونا

راوغ الجميع فوق عشب الملاعب وعجز عن هزيمة مرضه على فراش الموت، المعشوق فى إقليم كتالونيا والمنقذ لجماهير نابولى، والقديس على أرض الأرجنتين والمنحاز للفقراء، صادق كاسترو واقتدى بجيفارا وألهم الملايين، احتضن كأس العالم الذي حُرم على بلاده بعد اعتزاله، لم يقبل المقارنة أو التشبيه مع أحد حتى ملك اللعبة البرازيلى بيليه الحاصل على لقب لاعب القرن الـ20 من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، لكن دييجو أرماندو مارادونا كان الحائز على اللقب ذاته فى استفتاء الجماهير بفارق كبير مع أقرب منافسيه.

كل من تعامل مع مارادونا، وصفه بأنه يملك قلب طفل صغير، وشعر بإحساس عجيب تجاه ذلك الرجل الذي جاء من أحد أفقر الأحياء في العاصمة الأرجنتينية، وظل متمسكاً بجذوره رغم تمرده، ولم يتخل عن أي صديق فى ظل أحلك الظروف.

«الوطن» فتشت في ذكريات أصدقاء أسطورة كرة القدم العالمية «مارادونا»، وحصلت على شهادات حية ومواقف جمعتهم به منذ الصغر حتى رحيله، من بوينس آيرس مروراً بنابولي وشواطئ هافانا ودبي، ذكريات من مصر ولبنان والأرجنتين وكوبا وإيطاليا، كان تواضعه السمة المشتركة في حكاياتهم عنه، وقلب الطفل الذي عاش معهم السبب في حبهم له.

منسق أول لقاء لـ«مارادونا وكاسترو»: الزعيم الكوبي كان «والده الثاني» وقدوته

بينما كان يستمتع مارادونا ببطولة التنس فى كرواتيا منذ 4 سنوات، وصله خبر وفاة والده الثانى فيدل كاسترو، ليكشف فيما بعد عن رد فعله آنذاك، «بكيت بلا حسيب ولا رقيب، أنا ذاهب إلى كوبا لأودع صديقى»، ولطالما حمل مارادونا «كاسترو» على قلبه وكذلك على ساقه اليسرى، حيث رسم وجه الزعيم الثورى بالوشم، كما رسم وشماً آخر لجيفارا على ذراعه اليمنى.

التقى «دييجو»، نجل عامل المصنع الذى نشأ فى حى أكواخ فى ضواحى بوينس آيرس، بفيدل كاسترو لأول مرة عام 1987، بعد شهور من مساعدة «مارادونا» الأرجنتين فى الفوز بكأس العالم وقبل 4 سنوات من سقوط الاتحاد السوفيتى الذى من شأنه أن يفتح حقبة جديدة من المصاعب الاقتصادية فى كوبا الشيوعية. وتعمقت صداقة غير متوقعة بين لاعب كرة القدم غريب الأطوار فى كثير من الأحيان والثورى الذى يقرأ جيداً فى بداية القرن العشرين، عندما قضى مارادونا 4 سنوات فى هافانا للتخلص من إدمان المخدرات، مع ألفريدو تيديشى، المنتج التليفزيونى الأرجنتينى المقيم حالياً فى بلجيكا.

يسترجع «تيديشى» ذكرياته وتحديداً بداية من اليوم الذى طرق فيه مارادونا بابه واقترح زيارة تلقائية لكاسترو، استقبلهما الزعيم الكوبى فى غضون دقائق من وصولهما وأبرم جدول أعماله المزدحم بقضاء ثلاث ساعات معهما، بما فى ذلك لعب كرة القدم فى مكتبه، «بالفعل كاسترو الذى كان يحب كرة السلة والذى رأى تلك اللعبة تحتاج إلى تكتيكات ماكرة تماماً مثل تلك الموجودة فى حرب العصابات، كان الفضل لدييجو الذى جعله يداعب كرة القدم فى مكتبه كلما تكررت الزيارات».

عندما انتقل إلى كوبا عام 2000، اختلفت ظروف مارادونا الذى أصبح لاعب كرة قدم متقاعداً بالفعل، وكانت حالته البدنية بعيدة عن أفضل أوقاته وكان بحاجة إلى حل مشكلة إدمان المخدرات، وعاش 5 سنوات فى كوبا لإعادة تأهيله من إدمانه. ويقول تيديشى: «كانا يتحدثان دائماً عن السياسة، كان دييجو مهتماً حقاً بالسياسة»، مضيفاً أن «كاسترو» كان يقوم أيضاً بزيارات عفوية إلى منزله فى هافانا.

يختتم «تيديشى» حديثه لـ«الوطن»: «خلال حفلات الشواء فى المنزل كنت ألعب الكرة مع أبنائى الذين كانوا صغاراً جداً حينها لعب معنا مارادونا مثل الأولاد الصغار، كان مجرد طفل آخر بينهم، عشق كرة القدم كان يجرى فى دمه، الاختلاف بينه وبين أى شخص آخر هو أن دييجو كان الشخص الأكثر شعبية فى العالم لكنه كان إنساناً مثيراً للإعجاب، 5 سنوات لم أنفصل عنه يوماً واحداً، كان صديقى الأفضل على الإطلاق الذى لم أتخل عنه».

صديقه «المنتج التليفزيونى»: أب حنون صاحب قلب مرهف.. ولم نفترق 40 عاماً 

«بدأت علاقتى بدييجو أرماندو مارادونا منذ 1982 فى مدرسة أخوته وبعد ذلك بـ5 أعوام وتحديداً خلال عام 1987 توطدت العلاقة بيننا وأصبحنا أصدقاء، عملى كمنتج تليفزيونى أثرى صداقتنا وعززها كثيراً، حيث جمعتنى به لقاءات تليفزيونية عديدة»، هذه الكلمات كانت انطلاقة البداية لحديث الأرجنتينى مارينو لـ«الوطن» عن صداقته بملك كرة القدم مارادونا والتى استمرت قرابة 40 عاماً. يقول مارينو: «أتذكر كل شىء جمعنى بمارادونا، لقد عشت معه أعواماً كثيرة فى كوبا، لا أنسى لحظات لعب الجولف معه، الكلام مع بعضنا البعض والفضفضة، كان بمثابة أخ كبير لى، لقد أكلنا المشويات التى كان يعشقها معاً ومجيئه لحفل زواجى، الحقيقة أننى أتذكر كل لحظة مع صديقى الأسطورة، التى تمثلت فى إنسان يداعب كرة القدم وعشقه الجميع ولم يختلف عليه أحد، جميعنا كنا نتوقع أن يصبح أسطورة، وهكذا أصبح وسيظل رغم وفاته».

يرى صديق مارادونا المقرب أن من أفضل العبارات التى قالها دييجو من وجهة نظرة كانت أثناء حفل تقدير له فى «ملعب لا بومبينيرا» عام 2001 حينها قال أمام 70 ألف شخص بدون أى تفكير أو تحضير «نعم أنا أخطأت ودفعت ثمن هذا الخطأ، ولكن كرة القدم لم تتلطخ بذلك»، وبعدها بكى و«هذا ما جعل تلك الجملة باقية فى أذهاننا».

وبالرغم من فارق السن بين دييجو ومارينو، فإن الذى كان ينصحهما كان والد مارادونا، مشيراً إلى أنه كان بمثابة مستشار لأسطورة كرة القدم الأرجنتينية.

 

«قلعاوى».. المصرى فى «فريق الخماسى»: لمسته درس فى الكرة

تخرج الشاب المصرى أحمد قلعاوى، ابن محافظة الشرقية، فى كلية التربية الرياضية بجامعة الزقازيق عام 2007، ليبدأ رحلته الاحترافية فى كرة القدم بعد 11 سنة قضاها فى صفوف النادى الإسماعيلى متدرجاً فى جميع الفئات العمرية لفرق الناشئين والشباب، ليخوض تجربة الاحتراف الخارجى فى عدة دول ويعود مرة أخرى إلى الدورى المصرى عبر بوابة نادى الاتحاد السكندرى، حتى يتخذ قرار الاتجاه إلى التدريب، وبالفعل بدأ الرحلة التى التقى خلالها بأسطورة كرة القدم دييجو أرماندو مارادونا.

سافر «قلعاوى» لدولة الإمارات العربية المتحدة، لخوض تحد جديد فى حياته، تمثل فى تدريب فريق الناشئين (البراعم 12 عاماً) فى نادى شباب الأهلى بدبى، مستفيداً من خبرته كأحد أبناء الدراويش فى مدرسة الموهوبين بالإسماعيلية رفقة العديد من المواهب مثل عبدالله السعيد وعبدالله الشحات، ومدرسة الموهوبين فى القاهرة، حيث زامل شيكابالا وحسام عاشور وأحمد غانم سلطان وتدرج فى منتخبات الناشئين والشباب.

«مارادونا كان مشرفاً بمجلس دبى الرياضى وعمل مديراً فنيا لناديى الوصل والفجيرة، حتى سنحت الفرصة التى جعلتنى أتشرف بلعب كرة القدم الخماسية فى فريقه»، حسب حديث أحمد قلعاوى لـ«الوطن». مضيفاً: «علاقتى بمارادونا بدأت بمباراة كرة قدم خماسى، حيث كان من المفترض أن أكون صانع الألعاب له، لكن كانت كل لمسة منه بمثابة درس فى كرة القدم ليس بالنسبة لى فقط بل لكل الموجودين فى الملعب وخارجه، وقال لى بعد المباراة عبر المترجم الخاص به (قلعاوى أنت حريف).

ويختتم قلعاوى حديثه لـ«الوطن» قائلاً: «مارادونا كان دائماً يخبرنى أن أكثر ناد مرتبط به فى تاريخه الكروى هو نابولى، وكرمنى فى دورة تدريبية وأثناء تسليمى الشهادة رأى نجلى على، ثم قام بحمله وقال لى هذا مارادونا الصغير، كرة القدم بها نجوم وأساطير لكن دييجو مختلف تماماً عن الجميع وإذا كنا نقول إن ميسى من كوكب آخر فمارادونا كوكب بمفرده، لم ولن يأتى لاعب فى التاريخ مثل مارادونا».

 

 

حلاق المشاهير اللبنانى: تعاملى مع أسطورة الأرجنتين نقلة فى حياتى

 «تلقيت مكالمة تليفونية منذ سنوات ملخصها أن دييجو مارادونا يريدنى أن أصفف شعره بعدما سمع عنى أننى ماهر فى عملى، وجال فى خاطرى أن هذه المكالمة لا تتعدى مزحة من أحد أصدقائى، لكن بعد دقائق لم أستبعد ذلك، نظراً لنوعية الزبائن الذين أعمل معهم»، كانت هذه المكالمة بداية قصة الحلاق اللبنانى خضر باقى مع مارادونا، حسبما رواها لـ«الوطن».

ويقول «خضر»: «أرسل لى سيارة حتى أذهب له فى فيلته رقم 70 بجزيرة النخلة، بعد تجهيز حقيبة الأدوات الخاصة بى، ووجدت استقبالاً رائعاً منه ومن مترجمه الخاص، وكان يجلس معه العديد من الصحفيين الذين عاملنى أمامهم بكل احترام لتكون مفاجأة سارة بالنسبة لى، أتذكّر حينها أن شعره كان طويلاً وذقنه أيضاً وأراد عمل (دوجلاس)، وأثناء عملى كان يتحدث مع المترجم، وقال له: يبدو أنه محترف فى عمله. وكان سعيداً جداً بعد انتهاء عملى، وابتسم وربت على كتفى، فى المقابل كنت سعيداً للغاية بعدما قال: لن تكون المرة الأخيرة، ووجدت منه اهتماماً رائعاً».

ويتابع مصفف الشعر اللبنانى: «خلال السنوات التى كنت أتعامل فيها مع مارادونا وجدت رجلاً متواضعاً للغاية ولديه كرم ضيافة غير طبيعى، حيث كان يصر على سؤالى بنفسه فى كل مرة عن المشروب الذى أحبه قبل البدء فى العمل، ويتسم بقلب طيب».

ويؤكد أن «مارادونا» ليس شخصاً عادياً وأكثر شىء أعجبه فى التعامل معى أننى لم أكن أتحدث سوى حينما كان يريد هو، ولا أتدخل فى أمور شخصية، أو أفرض عليه التقاط صور تذكارية معه، نظراً لتعاملى طيلة 3 عقود وأكثر مع زبائن مرموقين، سواء من العائلة الحاكمة أو رجال الأعمال أو الشخصيات العامة عربياً وعالمياً.

«جيانى مينا» صحفى إيطالى نال ثقة «مارادونا» فى 3 كؤوس عالم

 بعد الألفية الجديدة بعام واحد، قدم الصحفى الإيطالى جيانى مينا، دييجو أرماندو مارادونا، للجمهور بشكل آخر، تلخص فى عبارة «لن أكون أبداً رجلاً عادياً»، ذلك الاعتراف الذى يمتد لـ70 دقيقة مع أكثر من عانى فى حياته كلاعب كرة قدم، توج صداقة امتدت لعقود بين أسطورة كرة القدم الذى لم يكن يفضل التعامل مع الصحفيين باستثناء واحد وهو «جيانى».

«لطالما كانت علاقتى مع مارادونا صريحة للغاية، لقد احترمت البطل، عبقرية الكاريزما والموهبة»، بهذه العبارات استهل الصحفى الإيطالى الشهير جيانى مينا، حديثه لـ«الوطن». ويقول «مينا»: «أعلم أن التواصل بالوسائل الحديثة أصبح سهلاً، وأى لاعب كرة قدم أو فنان لمجرد شهرته سيكون مجبراً دائماً على قول نعم للطلبات الصحفية والتجارية المزعومة لصناعة الإعلام، لكن مارادونا، الذى رفض هذا المنطق الغامض، تم تجريمه بشأن هذا الأمر مرات عديدة». ويتابع: «فى إيطاليا بداية من رئيس النادى فيرلاينو ورفاقه وجمهور نابولى يعشقون مارادونا».

«كان متأثراً بغبار فيلا فيوريتا، حيث بدأ مغامرته كأعظم لاعب كرة قدم ولد فى النضال السياسى فى الأحزاب التقدمية فى أمريكا اللاتينية التى وجهها مرات عديدة، لم يأت أى لاعب كرة قدم إلى هذا من قبل»، ذلك الوصف جعل «مينا» يصر على أن يكون صاحب اللقاءات الحصرية بمارادونا. وتكرر الأمر عدة مرات وأصر مارادونا «متمسكاً بوعوده لصديقه الإيطالى» الذى كان يثق فيه لأقصى الحدود، نظراً لمهنيته بأن يكون الصحفى صاحب الاستحقاق لنقل كلماته ورسائله للجمهور دون العودة للمكتب الإعلامى لمنتخب الأرجنتين سواء فى كأس العالم 1990 فى إيطاليا أو 1994 فى الولايات المتحدة الأمريكية، قائلاً: «لقد تحدى دييجو الجميع من أجل ميكروفونى وجعلنى أنال شرفاً رأى أننى أستحقه».

 

«روتوندو».. عاشق نجم التانجو يسمى ابنتيه التوأم «مارا» و«دونا»

 يشبه منزل عائلة روتوندو بالعاصمة بوينس آيرس ملايين المنازل الأخرى فى الأرجنتين، ذلك الرجل الذى أراد أن يخلد ذكرى أسطورة كرة القدم على طريقته الخاصة، فاختار أن يطلق اسمه على ابنتيه التوأم، فضلاً عن وشم للنجم على ظهره.

«ولدت علاقتى العاطفية مع دييجو مارادونا بعد كأس العالم فى إيطاليا 1990، أتذكر جيداً هذه اللحظات، كنت فى الثامنة من عمرى، وبعد أن رأيت كيف خسرت الأرجنتين المباراة النهائية أمام ألمانيا، بدأت أبكى، ورأيت الكاميرات مسلطة على مارادونا فى التلفاز، نعم كان يبكى أيضاً، فى تلك اللحظة كان هناك تحديد قوى للغاية وولد حبى له»، بحسب حديث والتر روتوندو، والد التوأم مارا ودونا، لـ«الوطن». يضيف روتوندو: «فى وقت لاحق، كبرت ورأيت إنجازاته وإخفاقاته، ووقعت فى حبه أكثر كلاعب كرة قدم وكإنسان، منذ أن كنت صغيراً فهمت أنه يمكن فصل اسمه الأخير إلى قسمين مارا ودونا، ونشأت طوال حياتى أتمنى فى مرحلة ما أن يكون لدى ابنتان، وأن أعطيهما تلك الأسماء».

أخبر والتر روتوندو زوجته ستيلا ماريس بريس فى أول لقاء لهما بأنهما سينجبان ابنتين فى يوم ما، وإنهما ستحملان اسم معشوقه نجم الكرة الأرجنتينى. ويتابع روتوندو: «لم أتمكن من مقابلة دييجو شخصياً، لكنه كان يعلم دائماً بوجودى ووجود بناتى، عبر وسائل الإعلام والصور، لذا عرف مارادونا أننى أحببته وبناتى»، مشيراً إلى أنهما تبلغان من العمر 9 أعوام، ولم يتردد لحظة فى تسمية طفلتيه.